بعد جملة من اختلالات مستشفى القرب بمدينة سوق السبت بإقليم الفقيه بن صالح
، والتي سبق تداولها حقوقيا، كما تداولتها مجموعة من المنابر الإعلامية، المحلية
والجهوية والوطنية، ونظرا لخطورة الاتهامات التي تتبادلها بعض الأطر الصحية فيما
بينها، والتي لم تستثني حتى عاملات النظافة وبعض عمال الحراسة بالمستشفى، وما لذلك
من تأثير مباشر على رداءة المرفق الصحي، الذي يؤدي المواطن لوحده ثمن ذلك، من حقه
في الرعاية الصحية وفي الإنقاذ من الوفاة بسبب مرض قابل للاستشفاء، مما يزعزع ثقة
المواطنين والمواطنات في المؤسسة الصحية، وهم يرون بأعينهم الصراعات
والتطاحنات العبثية بين أطر وموظفي مستشفى
القرب بسوق السبت.
وإيمانا منه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، والمتمثلة في النهوض بالحقوق
السياسية والمدنية،وكذا الاقتصادية والاجتماعية، من خلال رصد الانتهاكات التي قد
تطالها، سارع الفرع المحلي للمركز المغربي لحقوق الإنسان بدار ولد زيدوح إلى تشكيل
لجنة للتقصي والبحث في الموضوع، بكل مسؤولية وموضوعية، وبالحفاظ على موقعها
الحيادي بين جميع الأطراف، حيث قامت اللجنة بعدة زيارات ميدانية للمستشفى، واستقت
مجموعة من الشهادات من إدارة المستشفى، والأطر الصحية، التي لها علاقة بالموضوع
وكذا بعض عاملات النظافة وبعض عمال الحراسة بالمستشفى، بالإضافة إلى مواطنين
عاينوا بأنفسهم بعض الممارسات غير القانونية، حيث اقتنعت اللجنة الحقوقية من تشبث
كل طرف من اطراف النزاع داخل مستشفى القرب، بادعاءاته ومواقفه، وتضاربت الآراء بين
مؤيد ومعارض. ونظرا لخطورة الاتهامات بين الأطر، وما لها من تأثير على السير
العادي لعمل المستشفى، حيث يمكن أن نجيز أهم التجاوزات فيما يلي : التحرش الجنسي،
السكر داخل المستشفى، الفساد الإداري والأخلاقي، الشطط في استعمال السلطة، اتخاذ
قرارات عشوائية، وجود أسرة بمكاتب بعض الأطر الطبية، صراعات بدوافع نقابية وسياسية
محضة، استغلال النفوذ، الخصاص المهول في الموارد البشرية وفي التجهيزات....
وقد تبين حجم العواقب التي تترتب عن هذه الاختلالات، التي أقل ما يقال عنها
أنها إيذان بوجود فساد مهول في تدبير مستشفى القرب بسوق السبت، ستفقد المؤسسة
الصحية مصداقيتها وتضرب هيبتها عرض الحائط
من جهة، ويروح ضحيته المواطن البسيط، من جهة أخرى.
مستنتجات التقصي
والتحقيق :
وقد باشرت اللجنة مساعي ودية من أجل رأب الصدع، ودفع أطر المستشفى إلى
المساهمة بشكل فردي وجماعي، في تجاوز الخلافات البينية، وإعادة الاعتبار إلى
المرفق الصحي، وخدمة المواطنين، خاصة وأن هناك مساعي حثيثة من بعض الجهات
السياسوية المعروفة، التي اعتادت الاصطياد في الماء العكر، لاستغلالها من أجل
تصفية حساباتها، والإساءة للقطاع الحيوي والمهم، وتغليب مصالحها الشخصية على
المصلحة العامة،
وقد تمت الاستجابة إلى هذه المساعي الحميدة، من قبل الجميع، وتم عقد لقاء
للصلح بدعوة من لجنة المركز المغربي لحقوق الإنسان بدار ولد زيدوح، بتاريخ الخميس 21/04/2016، بمقر إدارة المستشفى وبحضور
السيد مدير المستشفى، الممرض الرئيسي بقسم المستعجلات، ممرض آخر، صديق للطرفين،
ممرضة بمصلحة الولادة، وقد استهلت اللجنة اللقاء بدعوتها جميع الأطراف إلى تغليب
المصلحة العامة، وحذرت من استمرار الوضع، كما هو عليه ودعت إلى الانكباب على تدبير
بروح المسؤولية هذا المرفق الصحي المهم، وإثارة الخصاص المهول في الأطر وإلى
الأقسام الغير مشغلة بالمستشفى أمام الجهات المختصة، وقد أبدت الأطراف في البداية
استعدادها إلى التعاون، ومد اليد من أجل خدمة الصالح العام، بعيدا عن الحسابات
الضيقة والحزازات الشخصية، التي لا تخدم أحد، وبعد نقاش مستفيض دام لما يزيد عن
أربع ساعات، باءت محاولة الصلح بالفشل بسبب نقطة وحيدة والمتمثلة في المذكرة
المصلحية التي قررتها الإدارة في شخص المدير، والتي تقضي بإعفاء الممرض الرئيسي
بقسم المستجلات من مهامه كمسؤول تمريض بهذا القسم، وذلك راجع حسب المذكرة المصلحية
إلى أسباب إدارية، وإلى النقص الحاد والمهول في الأطر الصحية التمريضية، خاصة وأن
المستشفى حسب نفس المذكرة مقبل على فتح المركب الجراحي وهو الأمر، الذي يعتبره
يدخل في صلاحياته، في الوقت الذي اعتبره الممرض الرئيسي منافيا للقانون وكونه يخدم
أجندة نقابية أخرى داخل المستشفى، مبررا ذلك بكون المذكرة وقع عليها المدير بتاريخ
15/04/2016 ولم يدعو إلى اجتماع من أجل اتخاذ هذا القرار الا بتاريخ 18/04/2016،
مما اعتبره الممرض الرئيسي نية مبيتة من طرف الإدارة لإبعاده عن المسؤولية، خدمة
لأجندة معينة، مضيفا أنه لا يعقل أن يتم استدعاء الأطر الصحية، لحضور اجتماع رسمي
من أجل اتخاذ هذا القرار، عن طريق رسائل نصية وفي ساعات متأخرة من الليل وفيما يلي نص الرسالة كما توصلت به اللجنة :
'' (Bjr
dans le cadre de la réorganisation du service des urgences vous invités à
assister à la réunion du lundi 18/04/2016 à 10h30)''
وعلى الرغم من كون
لقاء الصلح باء بالفشل، إلا أنه كان فرصة حقيقية لإماطة اللثام عن جملة من
الاختلالات والاكراهات، التي تعيق قيام المؤسسة الصحية بواجباتها، وتهضم أحد
الحقوق الأساسية للمواطنين، المتمثلة في الحق في الصحة، الذي يضمنه الدستور
المغربي، وتضمنه الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ، ويمكن على سبيل
المثال لا الحصر أن نذكر بعض أهم الاختلالات والتي نعتبرها خطيرة جدا وتضع صحة
المواطنين في خطر في حالة ما إذا تبثث صحتها وتسيء للقطاع الصحي ويتعلق الأمر :
1-
كون قسم المستعجلات لا يتوفر سوى على طبيبين أحدهما طبيب داخلي متدرب (ع.م)
ومع ذلك يمارس مهنة طبيب médecin) )ويقدم
شواهد طبية، خاصة تلك المتعلقة بحوادث السير وبالضرب والجرح.
2-
قسم الأشعة لا يتوفر على وسائل الحماية مما يعرض صحة المرضى والوافدين إلى
المستشفى للخطر في ظل غياب لجنة محاربة التعفنات المكتسبة بالمستشفى.
3-
وجود أسرة بمكاتب بعض الأطباء والممرضين، في وضع مخالف لقواعد الاشتغال في
المرفق الصحي.
4-
عدم احترام القوانين والمذكرات المتعلقة بارتداء لباس العمل بالمرافق
الصحية، وكذا احترام أوقات العمل.
5-
عدم تزويد الأطر الصحية طبية ببذل لائقة (une blouse propre)
6-
غياب أي لجنة لتسيير وتتبع وتقييم أداء مستشفى القرب.
7-
صراعات نقابية وسياسية محضة، تغذي النعرات الشخصية، وتسيء إلى سمعة المؤسسة
الصحية، وتضرب واجب خدمة صحة المواطن عرض الحائط.
8-
الوعود الزائفة من طرف المندوب الإقليمي السابق بالفقيه بن صالح.
9-
التداخل والتشابك في الاختصاصات بين الأطر الطبية (chevauchement des attributions)
10- تبادل الاتهامات وتلفيق التهم
بين أطر وعمال المستشفى
11- غياب التغدية..
12- غياب قاعة للراحة تليق بالأطر
الصحية ....
13- غياب قسم العناية المركزة
(الإنعاش) بمستشفى القرب بسوق السبت.
14- غياب مكان مخصص لاستراحة
المرضى ومرافقيهم داخل وخارج المستشفى
15-
عدم أداء مستحقات عاملات النظافة في المستشفى
منذ بداية اشتغالهم
وجدير بالذكر، أن
مستشفى القرب كما سبق للمركز المغربي لحقوق الإنسان أن عبر عنه في مواقف سابقة،
أنه تم تدشينه سنة 2010 ، وكان من المفترض أن يفتتح أبوابه لاستقبال الموطنين في أواخر سنة 2011، وفق
دفتر التحملات، إلا أنه لم يرى النور إلا في 20-04-2015، حيث شهد اختلالات منذ
بدايته، بسبب عجز الوزارة الوصية عن القطاع عن
توفير الأطر الطبية اللازمة، وتشغيل جميع الأقسام، حيث يقتصر دوره في غالب الأحيان في توجيه المرضى إلى المركز
الجهوي الاستشفائي ببني ملال، وهو الذي كانت تنتظر منه ساكنة سوق السبت والجماعات
المجاورة أن يخفف من معاناتها ويقرب لها
الخدمات الصحية، إلا أنها، وبعد مدة من فتحه، لا زالت تعاني وتضطر إلى
التنقل نحو المركز الجهوي الاستشفائي ببني ملال قصد العلاج، علما أن هذا المستشفى يلجه قرابة مائتي
ألف مواطن ومواطنة، من مجموعة من الجماعات داخل إقليم الفقيه بن صالح يمكن أن نذكر أهمها :
1 – بلدية سوق السبت : 60076 نسمة
2- بلدية اولاد عياد : 23818 نسمة
3- جماعة حدبوموسى : 44672
4- جماعة دار ولد زيدوح : 31170 نسمة
5- جماعة اولاد ناصر : 28438 نسمة
في الوقت الذي يمكن حصر الأقسام المشغلة
داخل مستشفى القرب بسوق السبت فيما يلي :
1-
قسم المستجلات
بطبيبين، أحدهما طبيب داخلي متدرب، إضافة إلى الممرضين والممرضات (11)، فقط الجناح
الأزرق المخصص للاسعافات الأولية...
2-
قسم الولادة
ويشتغل ب(10) مولدات إضافة إلى طبيب واحد
متخصص في التوليد.
3-
قسم الأشعة
ويتوفر على تقنيين (radialogues 02)
4-
طبيب
اختصاصي للأطفال، ياتي يومين في الأسبوع
فقط، ويقتصر دوره غالبا في التوجيه في ظل كون جناح الأطفال غير مشغل.
5-
سيارة إسعاف
واحدة.
فيما لا زالت جل الأقسام الحيوية مقفلة في
وجه المرضى، وهي كالتالي :
1-
جناح الأطفال
2-
جناح الاستشفاء
3-
مختبر التحاليل
الطبية
4-
المركب الجراحي
5-
مصلحة الإرشاد
والتوجيه
6-
مستودع الأموات
7-
الصندوق (وهو
ما يجعل الإدارة تعتمد مجانية العلاج والخدمات الصحية لظرفية مؤقتة)
8-
قسم النظافة
9-
المطبخ
10- وحدة العناية المركزة داخل قسم المستعجلات.
وفي الوقت الذي كان من المفترض أن توجه
الجهود نحو المطالبة بتشغيل الأقسام المقفلة، وتخصيص أطر صحية كافية، وتوفير
الأدوية المجانية والضرورية، لتلبية متطلبات الساكنة، وفي مسعى لتحريف الحقائق
وتزييفها، يتم خلق جو من الاحتقان وتصفية الحسابات الشخصية والنقابية والسياسية،
من أجل تمويه الرأي العام عن الحقائق
الصادمة، التي يعرفها المستشفى منذ بدايته، علما أن البناية نفسها تحتاج إلى فتح
تحقيق دقيق بحيث أن سقيفة المستعجلات والمركب الجراحي تحتاج إلى صيانة عاجلة، قبل
أن يقع ما لا يحمد عقباه.
خلاصات وتوصيات :
وبناء على ما تم استنتاجه خلال التقصي الذي
أشرفت عليه اللجنة الحقوقية، فإننا في المركز المغربي لحقوق الانسان بدار ولد
زيدوح، وبناء على ما توصلت إليه اللجنة الحقوقية من معطيات مؤكدة وصادمة، نعلن
للرأي العام الوطني ما يلي :
1-
مطالبتنا بفتح
تحقيق عاجل حول كل الادعاءات والاتهامات الموجهة بين الأطر الصحية بالمستشفى
والعاملين بها، وترتيب الجزاءات الإدارية والقانونية، في حق المتورطين، في حال
ثبوت صحتها.
2-
دعوتنا وزارة
الصحة إلى تشغيل جميع الأقسام المقفلة في وجه المواطنين، ونحملها المسؤولية كاملة،
فيما ستؤول إليه الأوضاع.
3-
نسجل وبكل أسف،
ضعف المراقبة من طرف الجهات الوصية على القطاع الصحي، وندد بسياسية الكيل بمكيالين
من طرف المسؤولين على القطاع محليا وإقليميا وجهويا.
4-
إدانتنا للوعود
الزائفة، التي ينهجها المسؤولون عن القطاع، لجس النبض وتدبير الأزمة بشكل سلبي،
بدل الانكباب على حل المشاكل المؤسساتية واللوجستية والبشرية، وتقديم خدمات صحية
ذات جودة مقبولة، ضمانا لحق الساكنة في الصحة
5-
مطالبتنا بفتح تحقيق في ادعاءات بعض الأطر الصحية حول
عدم قانونية تسليم أحد الأطباء الداخليين للشواهد الطبية المتعلقة بحوادث السير
والضرب والجرح.
6-
نسائل
المسؤولين الذين وضعوا دراسة للمشروع عن عدم وضعهم لمكان مخصص لذوي المرضى
ومرافقيهم أثناء ولوجهم للمستشفى، علما أن المستشفى يوجد في مكان بعيد عن المدينة
ولا يحيط به أي محل عمومي أو ما شابه مما يعرض حياة المرضى ومرافقيهم إلى الخطر.
7-
مطالبتنا بفتح
تحقيق شفاف ونزيه في عملية بناء المستشفى، التي تحوم حولها مجموعة من الشبهات.
8- نحمل
مسؤولية ما آل إليه الوضع الصحي إلى الجهات الوصية عن القطاع إقليميا وجهويا ومركزيا، ونحملها المسؤولية
كاملة في كل ما ستؤول إليه الأوضاع، في حالة عدم تفاعلها مع مطالب الساكنة المشروعة،
والمتمثلة أساسا في التعجيل بفتح جميع الأقسام الغير مشغلة، وتوفير الوسائل
اللوجيستية والأجهزة وتعيين الأطر الطبية الكافية، ونشير إلى أن أبرز ما يعيق تحسن
أداء السياسة الصحية هو هزالة الميزانية المالية المرصودة للمستشفى، وقلة الموارد
البشرية العاملة في القطاع.
9-
نستنكر وبشدة سياسة الآذان الصماء، وغض الطرف عن
هذه القضية، من طرف السلطات المحلية والإقليمية، والمنتخبين الذين تناسوا بان الحق
في الصحة حق أساسي من حقوق الإنسان، كما ينص على ذلك الدستور المغربي في فصله 31،
وما تقره المواثيق والمعاهدات الدولية، وتحديدا
ما تنص عليه المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة
على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية ..."زد على ذلك المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي
تقر بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه
10-
ندعو كافة الإطارات الحقوقية الجادة والنقابية وجمعيات
المجتمع المدني إلى النضال الوحدوي من أجل الدفاع عن الحق في الصحة والوقوف في وجه
العقول اللامبالية بصحة المواطن، والمخططات الدنيئة التي تحاول تهميش وحرمان
الساكنة من حقوقها المشروعة والعادلة...
ويبدو من خلال معاينتنا
لواقع مستشفى القرب (البعد) بسوق السبت، لا يعدو أن يكون مركزا صحيا موسعا شكليا، ومجردا من
مقومات المرفق الصحي، الذي يحمل صفة القرب.
صودق عليه من قبل المكتب الوطني للمركز المغربي لحقوق
الإنسان
المركز المغربي لحقوق الإنسان – دار ولد زيدوح المكتب المسير