في إطار
الأنشطة الموازية وتخليدا لليوم العالمي للتراث
نظم مختبر البحث في التاريخ والتراث
والثقافة والتنمية الجهوية والطلبة الباحثون في مركز دكتوراه التاريخ والتراث
الجهوي، بتنسيق مع جامعة السلطان
المولى سليمان وكلية الآداب والعلوم الإنسانية، والمديرية الجهوية للثقافة ببني
ملال ، ندوة حول موضوع: القصبة الزيدانية ومجالها: دعوة لترميم
وتثمين التراث المعماري بجهة بني ملال خنيفرة، بالمركب الاجتماعي بالفقيه بن صالح
يوم الجمعة 13 ماي 2016.
وتعتبر هذه الندوة بمثابة نافذة علمية تفتح
أمام الباحث والمجتمع المدني فرصة النبش في التاريخ الجهوي عبر أحد مكوناته التراثية
المعمارية والتي من شأنها إغناء الساحة الثقافية والعلمية والتنموية، وربط الحاضر
بالماضي عن طريق الدعوة الى الاعتناء بالقصبة الزيدانية وحمايتها والحفاظ عليها،
وتثمينها وتكثيف الجهود لإدماجها في محيطها السوسيو ثقافي الجهوي والاستفادة منها
تنمويا واستغلالها، واستثمارها في مجال السياحة الثقافية، باعتبارها مرآة حقيقية
تعكس الهوية والتاريخ والغنى التراثي الثقافي الجهوي.
افتتحت الجلسة بكلمة الأستاذ محمد العاملي رئيس
الجمعية الجهوية للتراث والتنمية الذي أكد على أهمية هذه الندوة التي تروم
الإهتمام بالقصبة الزيدانية التي بدت جدرانها بالتآكل والاندثار والتي كانت مقرا لحكم تادلا أيام السعديين ومعقلا من
معاقل المقاومة أيام الفرنسيين، علاوة عن كونها ذاكرة ذلك المكان. وما الاهتمام
بها اليوم إلا صرخة باحث، لعل آذان المسؤولين تلتقطها وتلتفت إلى هذا التراث،
لإعتماده كمقاربة تنموية، قبل أن يصبح في خبر الماضي.
وبعد ذلك أعطى الكلمة للسيد مدير المديرية الجهوية للثقافة لجهة بني ملال
خنيفرة الذي أكد على دور التراث المعماري في التنمية المستدامة للمنطقة، مشيدا
بمجهودات المختبر في التعريف بالتراث
الجهوي. تلتها كلمة رئيس
الجمعية الجهوية للتراث والتنمية الذي
تحدث عن هذه المعلمة التاريخية التي تعتبر الآثار الوحيد الموجود بإقليم الفقيه بن
صالح. وفي ذات السياق أشاد رئيس جمعية الزيدانية للثقافة والتنمية الاجتماعية بمثل
هذه الملتقيات التي تبغي التعريف بالتراث المحلي وتثمينه وربطه بالتنمية المحلية.بعد
الجلسة الافتتاحية ترأست أشغال الندوة الدكتورة سعاد بلحسين التي أكدت أن موضوع
هذه الندوة له مكانة خاصة باعتباره عرس يؤرخ و يسليط الضوء على معلمة لعبة ادوار
عدة عبر التاريخ. وأضافت أنه من خلال التحسيس بعمق المعلمة التاريخي والثقافي سنقف على تاريخ الإقليم
والجهة والوطن وعلى أبعاده الثقافية والدينية والتاريخية والسياسية... هذه العناية
تتعدى الرموز التي من أجلها بنيت هذه المعلمة، وما تتضمنه من عمق معرفي هو أكبر من
البناية والجدران وما الحفاظ على هذه الجدران إلا حفاظ على ذاكرة المكان وهوية
الانسان...
بعد ذلك أعطت الكلمة للمتدخلين في الندوة على الشكل التالي:
- ذ. محمد شكري: مداخلة تحت عنوان القصبات بسهل تادلا: مقاربة أولية
- ذ. أحمد قاسمي: مداخلة تحت عنوان القصبة الزيدانية، معمار وتطور
- ذ. محمد لكلاع: مداخلة تحت عنوان خصوصية وأدوار
القصبة الزيدانية
- ذ. سعيد أنزي: مداخلة تحت عنوان الطقوس والعادات
المرتبطة باستعمال الماء بالزيدانية ومحيطها
- ذ. مصطفى عربوش: مداخلة تحت عنوان الامير زيدان
وعلاقته بأعلام المجال التادلي
- ذ. محمد بوصالح: مداخلة تحت عنوان تجربة مركز صيانة
وترميم التراث في ترميم القصبات والقصور والمخازن الجماعية.
- ذة. سعاد بلحسين وذ. محمد العاملي: مداخلة تحت
عنوان القصبة الزيدانية ومجالها، مقاربة اثنو- أركيولوجية
بعد
تناول وجبة الغذاء وحوالي الساعة الرابعة مساءا
قام الحضور بزيارة القصبة الزيدانية لتحقيق الانسجام و الترابط وملامسة روح المكان، حيت تجول الوفد
بين أرجائها محاولا استنطاق جدرانها
العالية الشاهدة على عظمة مهندسيها وصناعها
وبنائيها... التي لازالت تقاوم الزمن
وثؤرح لأحداث مضت، مستعينين بشروحات الاستاذ محمد العاملي الذي وضح ما غاب عن
الذهن من تاريخ، بحيث استفاض في الحديث عن تاريخ مؤسسها وأسباب اختياره لموقعها الجميل المطل علة نهر أم
الربيع والواقعة بين قبائل عدة كبني معدان
وبني عمير وأولاد عبدالله وبني ملال وبني موسى وأولاد امبارك... بهدف
مراقبتها والتحكم فيها مقدما صورة مقتضبة عن مرافق القصبة من دار
الامير والخدم وأماكن الخيول وأبوابها الرئيسية...
وبعد الزيارة الجماعية والاطلاع على الحالة التي وصلت إليها القصبة من
إهمال واستغلال من طرف الساكنة المجاورة وتلاشي جدرانها، قدم الوفد برئاسة الدكتور
محمد العاملي مجموعة من التوصيات التي سوف
ترفع إلى الجهات الرسمية، من بينها محاولة تسييج المعلمة للحد من استغلالها وإنقاذ
ما تبقي منها والدعوة إلى إقامة مهرجان داخل فضاء القصبة كمهرجان الرمان أو
الفلكلور والتعريف بالقصبة اعلاميا وتوجيه
الباحثين إليها ...
وكبادرة
طيبة من رئيس جمعية الزيدانية للثقافة
والتنمية قدم هدية تذكارية لرئيس جامعة
السلطان مولاي سليمان شكرا وامتنانا وعرفانا
على هذه الالتفات العلمية التي تهدف إلى ضرورة التعاون لإعادة الاعتبار
لهذه المعلمة واستغلالها في تحقيق التنمية
المحلية والجهوية.
حوالي الساعة السابعة ونصف غادر الوفد القصبة ولسان
حاله لا ينفك يردد كلمة الأسف عن حالها، وكيف
لأحفاد هؤلاء أن ينسلخوا اليوم عن تراثهم وأسلوبهم المعماري العريق ليرتموا في ضيق
قوالب بناء لا يعبر أبدا عن شخصيتهم الثقافية ، ولا يربطهم بماضيهم خائرا عن المصير الذي يتوعد الأمم والشعوب التي
تتنازل عن ذاكرتها وميراثها في خضم معركة ضروس تهاجم كل الخصوصيات وتحطم وشائج
الاتصال بالماضي في درب بحث حثيث عن الذات وعن الهوية وعن مخرج سليم يؤلف بين
مواكبة تطور التقنيات والوسائل والإيقاع السريع للعصر، وبين المصالحة مع روح
الماضي والذاكرة والهوية .
عبدالكريم جلال