د. نجيب الصومعي
على مدار الخمس سنوات الماضية، شكل التعامل الحكومي مع
الاشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أهم موضوع للنقاش العمومي سواء
في الصالونات السياسية، أو المقاهي أو الساحات العمومية عبر الاحتجاجات
المتكررة في كل المدن والقرى المغربية. وقد أجمع المواطنون من نخبة سياسية وثقافية
وفلاحين وأطر ومعطلين على أن حال المغرب قبل 25 نونبر 2011 ليس كحاله اليوم، وأن
المعيش اليومي للمغاربة قد عرف تغييرات جذرية كان لها أثر واضح على البنية
السوسيو-اقتصادية للمجتمع المغربي، وسنحاول في هذا المقال ابراز مسببات هذا الوضع
لكي لا تكون الخماسية المقبلة، سنوات ضائعة في عمر المغرب على غرار سابقتها.
تدمير الثروة
منذ الاستقلال عرف النمو الاقتصادي بالمغرب تغيرات هامة
لكن مستواه ظل ايجابيا على الرغم من سنوات مخطط التقويم الهيكلي (Programme d’Ajustement Structurel) ومعضلات الحكامة التي جاورته،
اضافة الى وصول البلاد الى حالة السكتة القلبية في اواسط التسعينيات. الا ان
الاقتصاد الوطني قد تمكن من استعادة عافيته في العشارية الاولى من الالفية الجديدة
بمعدل 4،8% لنمو الناتج الوطني الخام (Produit Intérieur Brute)، وعوض أن يستمر ذلك في حكومة
العدالة والتنمية، فان الحال أصبح معكوسا، إذ رغم وعود البيجيدي بنسبة نمو 7%،
وانخفاضها ل 4،5% في التصريح الحكومي، فالمعدل العام استقر في 2،9% (Taux à moyenne mobile) وانحدر في آخر سنة الى 1،6% علما
أن كل الشركاء الاقليميين للمملكة عرفوا انتعاشا اقتصاديا هاما وان المغرب عرف
مواسم فلاحية هي الاجود في تاريخه خلال الاربع سنوات الاولى للحكومة.
وعمليا اذا قارنا معدل 1،6% كمستوى لخلق الثروة مع
المعدل الموجه (Taux Directeur) الذي
يستقر في 2،25% فإن اي درهم يستثمر في المغرب يدمَّر بنسبة 0،65%، أي أن كل درهم
يخلقه الاقتصاد الحقيقي (Economie
réelle) عبر البنوك التجارية قد أهدر بنسبة هامة مما لا يدع مجال للشك أن
السياسة الاقتصادية أصبحت تدمر المالية العامة والخاصة، وهذا يفسر دعوة والي بنك
المغرب لإحداث نموذج اقتصادي (Modèle
Economique) جديد لأن الحكومة قد قامت بتدابير أدت الى حالة من الاشباع
الاستراتيجي (Saturation Stratégique) اندثرت
معها كل الحلول الممكنة لتفادي الانكماش الاقتصادي في السنوات المقبلة.
ارتفاع نسبة المديونية
لاشك ان المديونية هي احدى أهم العوامل التي تساهم في
خلق الثروة، عبر توفير الموارد المالية المكملة لتحقيق نسبة نمو عالية، وكما قال
كولبير "التجارة مصدر المالية، والمالية عصب الحرب" (le Commerce est la source de la finance, et la finance
est le nerf de la guerre) لكن ينبغي على الدولة أن تدبر هذه
النقطة بحكمة وتبصر لدرء مخاطر الكفالة الاقتصادية (Tutelle économique) التي عاشها المغرب إبان مرحلة
التقويم الهيكلي (PAS) حين فرض الممولون الاجانب على
البلاد توصيات مؤلمة مست سيادة الحكومة على المنظومة المالية الوطنية.
وفي عهد البيجيدي أصبح شبح هذا السيناريو يقترب أكثر من
اي وقت مضى من البنية الاقتصادية والمالية الوطنية، اذ ان مستوى الاستدانة (Taux d’endettement) العامة وصل لأزيد من 81% من
الناتج الوطني الخام بنسبة فائدة تصل ل 27% (احدى اعلى نسب الفائدة عالميا)، وبهذا
يكون المغرب قد تخطى الحد المسموح به نظريا اي 67% من الناتج الوطني الخام.
والخطير في الموضوع ان حكومة ابن كيران وجهت جل مديونتها للاستهلاك عوض الاستثمار
بالرغم من الانخفاض المذهل للفاتورة النفطية الذي وصل لمستوى 38 دولار للبرميل.
هنا نطرح بعض الاسئلة، هل تعلم حكومة البيجيدي ان أداء
الديون يكون بالعملة الصعبة؟ وأن اي تأخير يضاعف الفاتورة؟ وان خطواتها الاستدانية
جعلت كل المغاربة بما فيهم الرضع على عاتقهم دين ب 2500 دولار (للمواطن) تجاه
مانحي الدين(Bailleurs de fonds)
الاجانب؟
التضخم وتدهور مناخ الاعمال
حسب آخر تقرير لبنك المغرب وصل معدل التضخم لنسبة 1،6%
وأن الهدف الاستراتيجي في هذا المجال هو التحكم في التضخم بنسبة 2% سنويا، إلا ان
الغريب في الامر احتساب هذه النسبة يتم وفق منهج التضخم المعدَّل
(Inflation sous-jacente) الذي
لا يأخذ بعين الاعتبار المواد الطرية (الخضر والفواكه واللحوم) والمحروقات (الديزل
والبنزين والفيول الصناعي...) علما ان هذه المواد هي اهم مكونات السلة
الاستهلاكية للمغاربة، لذلك فالمعدل الحقيقي للتضخم هو أكثر بكثير من النسبة
الرسمية، اذ انه في أكثر السيناريوهات تفاؤلا سيكون في حدود 11%. ومعنى هذا ان
الدرهم يعاني من نسبة حث نقدي (Erosion
Monétaire) عالية جدا، مما يضعف تكافؤ القدرة الشرائية (Power Purshaising Parity) مما ينعكس كذلك سلبا على جودة
المعطيات والتصنيفات الدولية للبلاد وصورتها في التقارير الاقتصادية الدولية التي
تعتبر مصدر المعلومة الاول للمستمرين الاجانب.
هذه التقارير التي تعطي صورة قاتمة على مناخ الاعمال
بالبلاد لحد وصفه بالكارثي واللا تنافسي، حيث ان ترتيب المغرب قد عرف تراجعا بخمس
مراكز في التقرير العالمي حول جودة مناخ الاعمال لسنة 2015 (Doing Business) ليحتل بذلك المرتبة الخامسة
والسبعين عالميا متأخرا على دول غير مستقرة كتونس واقتصاديات ضعيفة كرواندا
وبوتسوانا ومنغوليا. هذا التراجع الخطير يجد تفسيره في الردة الحقوقية التي
يعرفها المغرب على عدة مستويات أبرزها تقهقر ضمان حق التعبير والحقوق الاجتماعية
الأخرى اضافة لغياب مبدأ تكافؤ الفرص واستفحال البيروقراطية والفساد في الادارة
العمومية. هذا بالإضافة الى ضعف المنظومة الوطنية للتكوين والبحث العلمي الذين
يستمران في عجزهم على الرقي بالمادة الرمادية الوطنية وتوفير متطلبات المستثمرين
المحتملين من أطر وكفاءات عالية المستوى.
بالرجوع لكافة ما تم ذكره من معطيات اقتصادية والفرص
الضائعة الكبيرة التي لم تتمكن بلادنا من انتهازها لتسريع مسار الالتحاق بالدول
الصاعدة، فإن هذه الحكومة كرست مكانة المغرب ضمن الدول السائرة في طريق النمو أي
بعابرة أخرى دول الجنوب التي تتسم عموما بالفقر وضعف الانتاج والتخلف والامية،
بعيدا عما يلزم من تنمية محكمة عبر خلق الثروة وفرص العمل وكذلك تسريع مسار التحول
المؤسساتي والانفتاح الاقتصادي للالتحاق بركب الدول القوية اقتصاديا واجتماعيا.