بقلم :
نور الدين زوبدي
لعل الزلزال الذي أحدثته الثورة الرقمية في الآونة الأخيرة
محليا ،جهويا، وطنيا ،ودوليا ،تجعلنا ملزمين بأن نركب امواجها حتى لا نفقد صلتنا
بالمجتمع المتحول والمتجه صوب وجهة غير معلومة ، تحددها جهات غير معروفة ،وترسم
برامجها بطرق غير مفهومة ، تارة تجدها في هذا الصف ، وتارة في الصف الأخر المناهض للأول
وفي بعض الأحيان تجدها ضد كل ما هو قائم، متمردة على الجميع، مما يعني أن هناك
جهات تتصارع داخل مواقع التواصل الاجتماعي، احداها منخرطة بكيفية غير حضارية،
تستعمل كل الأساليب لبلوغ الهدف ( تشويه سمعة السياسي، نشر خبر كاذب لتحقيق مبتغى
اقتصادي أو سياسي أو هما معا ...) ، وأخرى وهي الغالبية تعمل جاهدة على بلورة
مواقف شجاعة ضد النخب الفاسدة والسياسات المتبعة .
اذا نظرنا إلى ما يحصل حاليا من تأثير واضح على الرأي
العام، جراء الحملات التي تستهدف تحقيق نتيجة ما ،ربما قد تكون عفوية صادرة دون
خلفيات سياسية ، و قد تكون في اول نشأتها بدافع انتقام سياسي، ثم أصبحت غير متحكم
فيها ، لأنها اصبحت في ملكية شعب الفايس بوك ، سنجد على أن الأحزاب السياسية
والمنظمات النقابية خارجة من الحراك ، ومشاركتها مرفوضة من قبل الغالبية العظمى
الناشطة على مواقع التواصل الإجتماعي، بل من يعتبرها متآمرة وخائنة، وبالتالي لا
يسمح لها بتبني أو مؤازرة القضايا التي تطرح ، لأنها جزء من المشكل ، و اذا اتيحت
لها الفرصة ستقضي على الحراك الفايسبوكي ( المقاطعة ) . لكن الحال عكس ذلك ، فأغلب
المناضلين والمناضلات في الأحزاب الوطنية والتقدمية مقاطعون ، و يساهمون بشكل فعال
في ترويجها بمختلف الطرق، ولو أن أحزابهم لم تستطع بلورة موقف واضح منها ، بل يمكن
القول أن اول قضية مجتمعية توحد مختلف التيارات السياسية قاعديا هي حملة المقاطعة
، رغم الاختلاف و التشتت والتشردم، والتراجع الخطير الذي ميز الساحة السياسية
مؤخرا ، بسبب فقدان الثقة و استمرار مسلسل تبخيس العمل السياسي ، والاعتقاد على أن
الرأسمال قادر على طرح بديل حزبي ذي مشروع تنموي جديد .
ان السخط العارم الذي تشعر به فئات واسعة من الشعب ، كان
التربة الخصبة لنشوء " التنظيم الافتراضي " المشكل من مختلف الأطياف
المجتمعية، منها المتحزبة الرافضة للواقع السياسي الحالي من جراء ضعف القيادات
كلها دون إستثناء، والشباب المندفع و المتعطش الى العيش الكريم و المساواة والعدل
الإجتماعي، وأبناء الجالية بالخارج الذي سمحت لهم مواقع التواصل الإجتماعي
بالتعبير عن رأيهم من خارج أرض الوطن، بعدما كانت وسائل التواصل حكرا على النخب
المستفيدة ، و تتحكم فيها الدولة مع بعض الاستثناءات.
ان تشكل هذا التنظيم الافتراضي يفرض على المناضلين الشرفاء
والأحرار التفكير في آليات جديدة و صيغ نضالية لمواكبة التحول المجتمعي ، و
الانخراط الواعي في هذا التنظيم لخدمة الوطن ، وجعله محصنا من الاختراق ، و منبرا
حرا لتكريس الديمقراطية المهددة بفعل هجمات الغول المالي الذي يريد أن يبتلع الكل.