بقلم : محمد الحطاب
يندرج القانون المتعلق بالأحزاب السياسية، في إطار الحـرص على توطيد صرح الدولة الحـديثة، في نطاق الملكية الدستورية الديمقراطية الاجتماعية، ويعد لبنة أساسية للسير قدما لانجاح الانتقال الديمقراطي، وتحقيق رهانه، وتأهيل العمل البرلماني، بتجاوز البرلمانية التمثيلية التقليدية، وصولا إلى البرلمانية العصرية، عبر ترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة.
كما أن التوجـه العام، الذي أطر لصياغة هذا القانون، يستمد مرجعيته الأساسية من الحرص الملكي الكبير، ذي المعنى العميق، في الارتقاء بهذا التشريع الجـديد، ليأتي بإجابات جماعية متميزة عن قضايا مجتمعية عريضة، وليس تلبية لمطامح شخصية أو فئوية ضيقة، بما يخدم تطوير الممارسة الحـزبية والانخراط فـي الورش الكبير، الذي يقوده ملك البلاد، لإصلاح الحـقل السياسي الوطني، وإنجاح التحـديث المؤسساتي والسياسي، وتحصين المسار الديمقراطي الحداثي بالمغرب.
ويتجلى الحرص الملكي الكبير، الذي تتقاسمه كافة القوى السياسية، والفعاليات المجتمعية بمختلف مشاربها، وبكامل التقدير، في إحاطة هذا التشريع الجديد بالضمانات اللازمة.
وتحدد المادة 1 من القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب، تعريف الحزب السياسي و القواعد المتعلقة بتأسيس الأحزاب السياسية، و الانخراط فيها و ممارسة أنشطتها، و مبادئ تنظيمها و تسييرها، و نظام تمويلها و كيفيات مراقبته، و معايير تخويلها الدعم المالي للدولة.
لقد نصت المادة 2 من نفس القانون على أن الأحزاب السياسية تسهر على اتخاذ جميع التدابير، الكفيلة بتيسيير و تشجيع الانخراط في صفوفها، وفق ما تنص عليه أنظمتها الأساسية و الداخلية، و على أساس احترام الدستور و أحكام القانون.
كما تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم، وفي نشر التربية السياسية، ومشاركة المواطنين في الحياة العامة، وتأهيل نخب قادرة على تحمل المسؤوليات العمومية، وتنشيط الحقل السياسي، وفقا لدستور المملكة وطبقا لأحكام هذا القانون (المادة 3)
نصت المادة 20 على أنه لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي، الذي ترشح باسمه للانتخابات، تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة.
كما يمكن لكل عضو في حزب سياسي، و في أي وقت شاء، أن ينسحب منه، شريطة الالتزام بالإجراءات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحزب في هذا الشأن، مع مراعاة أحكام المادة 20 أعلاه.
قانون الاحزاب أوجب على كل حزب سياسي الالتزام ببعض القواعد في اختيار مرشحاته و مرشحيه لمختلف العمليات الانتخابية، ومن بينها مبادئ الديمقراطية و الشفافية في اختيار المرشحين والمرشحات، الذين تتوفر فيهم النزاهة و الكفاءة والأمانة، والقدرة على القيام بمهامهم التمثيلية.
من ناحية أخرى فالأحزاب السياسية والمرشحين هم فاعلين انتخابيين، يمكن لهم كذلك تشويه العملية الانتخابية. فبعض الممارسات اللااخلاقية كشراء أصوات الناخبين، أو التمويل غير المشروع للحملات الانتخابية، أو انتشار التجريح والخطب التي تنم عن الكراهية في الحملة الانتخابية، أو الضغط على الناخبين وتهديدهم من قبل مناصري الأحزاب، أو الفساد في عملية اتخاذ القرارات، أو التمييز الممنهج ضد فئات اجتماعية محددة، تشكل جميعها أمثلة على قدرة الأحزاب السياسية على " تهديد سير النظام الديمقراطي، بدلاً من تعزيزه "، مما يقلص من الحرية التنافس وعدم احترام الضوابط المتعلقة بالحملات الانتخابية.
صحيح أن القانون المتعلق بالأحزاب السياسية جاء ليضع حدا للتسيب والتشرذم، الذي يعيشهما المشهد السياسي بالمغرب، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، حيث تتحول الاحزاب السياسية إلى سوق للبيع والشراء، بل أكثر من هذا تنشط في هذه الفترة عملية الترحال وانتقالات المنتخبين بشكل مخالف للقوانين والاعراف.
كل هذا يثير عدة علامات استفهام، لكون بعض الاحزاب السياسية تحول مع الأسف إلى اندية لكرة القدم تقوم بانتدابات صيفية وشتوية لعدد من المنتخبين الجماعيين والبرلمانيين ومنتخبي الغرف المهنية في أفق إعدادهم للانتخابات المقبلة، دون أن تتحرك الجهات المختصة لتفعيل قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات وكافة القوانين الزجرية، بما يتطلب ذلك من مراقبة دائمة على تحركات الأحزاب السياسية وطنيا وجهويا ومحليا، لمنع "شناقة" السياسة من الاستمرار في تهديد العملية الانتخابية والديموقراطية، من أجل تحقيق انتخابات نزيهة وشفافة، التي يمكنها أن تعيد الثقة للمغاربة في مؤسساتهم الحكومية والمنتخبة، ام ان السلطة ستظل تتحكّم في الوضع الانتخابي والسيطرة عليه، لضمان استمرارية وممارسة قوة النظام على المشهد السياسي بالمغرب ..؟