في مغرب يشهد تحولات كبرى، تبرز جهة بني ملال-خنيفرة كنموذج للتحول الترابي، مدعومًا بإرادة سياسية قوية ونهج تنموي ممنهج. وفي قلب هذه الدينامية، يلعب السيد الوالي دورًا محوريًا في رسم رؤية استراتيجية قائمة على تقاطع السياسات العمومية وتنفيذ إجراءات متناسقة وذات تأثير ملموس. وتجسد الأقطاب الموضوعاتية الجهوية هذه الطموحات، حيث تشكل أدوات حقيقية لإعادة هيكلة الحكامة الجهوية وتعزيز نجاعتها.
لا تقتصر هذه الأقطاب على كونها كيانات إدارية، بل تمثل رافعة قوية لتعبئة الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمؤسساتيين حول قضايا جوهرية تتماشى مع خصوصيات الجهة. فسواء تعلق الأمر بالفلاحة المستدامة، أو الصناعات التحويلية، أو الرقمنة، أو السياحة المسؤولة، أو الإدماج الاجتماعي، فإن كل قطب يُعتبر منصة للابتكار وتسريع المشاريع المهيكلة. والهدف واضح: تجنب تشتيت الجهود، وترشيد الاستثمارات، وضمان أثر تنموي حقيقي ومستدام.
وراء هذا النهج، تبرز إرادة صلبة لكسر الأنماط التقليدية التي تتسم غالبًا بالتجزئة وعدم الفعالية. إذ يسهر السيد الوالي على تعزيز نمط جديد للحكامة الترابية، حيث تواكب التخطيط الاستراتيجي عملية تنفيذ دقيقة وآلية تتبع صارمة. ويُعد إشراك الفاعلين المحليين، سواء كانوا مؤسسات عمومية أو قطاعًا خاصًا أو مجتمعًا مدنيًا، عنصرًا محوريًا في هذا المسار. فالمقاربة المتبعة ليست فوقية، بل تقوم على التشاور والبناء المشترك، مما يجعل هذه الأقطاب مختبرات للابتكار تلتقي فيها المعرفة التقنية بالمعطيات الميدانية الدقيقة.
يرتكز نجاح هذه الاستراتيجية على تجذرها العميق في الواقع المحلي. فكل مبادرة داخل الأقطاب الموضوعاتية تعتمد على تحليل دقيق للإمكانيات والتحديات التي تواجه الجهة. ويظهر ذلك جليًا في قطاع الصناعات الفلاحية، حيث يسمح استثمار الموارد الزراعية المحلية وتبني استراتيجيات التصنيع ذات القيمة المضافة العالية ببناء منظومة اقتصادية تنافسية توفر فرص عمل مستدامة. وبالمثل، يفتح القطب المخصص للرقمنة آفاقًا جديدة لتحديث الخدمات وتعزيز إدماج التكنولوجيا في النسيج الاقتصادي المحلي، مما يعزز تنافسية المقاولات وجاذبية الجهة للاستثمارات.
ولا تتوقف هذه الدينامية عند الاقتصاد فقط، بل تمتد لتعزيز التماسك الاجتماعي والعدالة المجالية. فتحدي تقليص الفوارق بين الوسطين الحضري والقروي يشكل إحدى الأولويات التي تعالجها الأقطاب الموضوعاتية بمنهج عملي. فمن خلال بناء منظومات تنموية تتلاءم مع خصوصيات كل منطقة، تتيح هذه الأقطاب توزيعًا أكثر عدالة للفرص وتحفيز التأهيل البشري، مما يجعل النمو أكثر شمولًا واستدامة.
وتنسجم هذه الرؤية مع التوجه الوطني نحو جهوية متقدمة، حيث يتضح أن نجاح نموذج الحكامة الترابية لا يقتصر فقط على نقل الاختصاصات إلى الجهات، بل يستدعي توفير آليات تنسيق فعالة ورؤية استراتيجية موحدة. وتتحول جهة بني ملال-خنيفرة بذلك إلى نموذج يحتذى به في هيكلة التراب الجهوي، حيث تخدم الابتكارات المؤسساتية هدفًا واحدًا: تحسين جودة حياة المواطنين وخلق بيئة ملائمة للاستثمار والتنمية.
رهان والي الجهة لا يقتصر على مجرد إصلاح إداري، بل هو التزام حقيقي نحو تنمية متناغمة، واقعية، ومستقبلية. ومن خلال تبني آليات ملائمة، وإشراك جميع الأطراف الفاعلة، وضمان تتبع دقيق للبرامج، فإن هذه المقاربة تؤسس لمسار جديد يجعل التنمية الجهوية واقعًا ملموسًا ينبض بالأمل والطموح