في زمن الرقمنة والخدمات البنكية المتطورة، لا تزال مدينة مريرت، التابعة للنفوذ الترابي لإقليم خنيفرة، تعيش على وقع خصاص مهول في الخدمات البنكية الأساسية، وعلى رأسها الشبابيك الأوتوماتيكية التابعة لمؤسسة "البريد بنك"، فرغم تعداد سكاني يفوق 46 ألف نسمة، لا تتوفر الوكالة الرئيسية في المدينة سوى على شباك أوتوماتيكي وحيد، في مشهد يعكس هشاشة البنية التحتية للخدمات المالية بالمنطقة.
وتتحول البوابة الأوتوماتيكية الوحيدة، خاصة خلال فترات صرف الرواتب والمنح، إلى نقطة ازدحام خانقة، يقضي فيها المواطنون ساعات طويلة في طوابير تمتد أحيانا لعشرات الأمتار، وضع يستفز أعصاب الجميع، ويضعف من ثقة السكان في المرفق العمومي، خصوصا كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة الذين يواجهون تحديات مضاعفة في ظروف الإنتظار.
عدد من الفاعلين المحليين اعتبروا أن هذا الواقع المهين لا يليق بمدينة تشهد توسعا عمرانيا وديمغرافيا مستمرا، مطالبين بتوسيع شبكة الشبابيك وإحداث وكالات جديدة تعيد التوازن إلى المشهد الخدماتي. فالعجز البنيوي، حسب رأيهم، لم يعد فقط عائقا تقنيا، بل تحول إلى مساس مباشر بحق المواطنين في الولوج السلس والعادل إلى الخدمات.
وفي تصريحه للجريدة، أكد الناشط الإعلامي عزيز المسناوي أن "الوضع في مدينة مريرت لم يعد يحتمل، إذ يضطر عشرات المواطنين يوميا إلى الوقوف في طوابير طويلة لساعات، فقط من أجل سحب أموالهم أو قضاء معاملات بسيطة، في ظل غياب الحد الأدنى من شروط الراحة والكرامة، خصوصا بالنسبة لكبار السن وذوي الإحتياجات الخاصة"، مضيفا أن "الضغط المتواصل الذي تعرفه الوكالة يعود بالأساس إلى محدودية عدد الشبابيك الأوتوماتيكية، وهو ما يستدعي تدخلا عاجلا من الجهات المعنية لإحداث شبابيك إضافية".
وكان وزير الصناعة والتجارة قد أكد في مراسلات رسمية أن الوكالة قد خضعت لإصلاحات في السنوات الأخيرة، وأنها مبرمجة لتتزود بشباك أوتوماتيكي ثان قريبا، بالإضافة إلى إمكانية تفعيل وكالات متنقلة، لكن الساكنة ترى أن هذا النوع من التطمينات يبقى بعيدا عن الواقع الملموس، خاصة مع غياب أي مؤشرات واضحة على التحسين الفعلي في المدى القريب.
وفي ظل هذه الأوضاع، تجد مدينة مريرت نفسها من جديد خارج دوائر الأولويات، في انتظار التفاتة حقيقية من المؤسسات المركزية، تعيد الإعتبار لكرامة المواطن وتحقق الحد الأدنى من العدالة المجالية، فهل تتغير الصورة قريبا؟ أم ستبقى المدينة تنتظر شباكا ثان... في طابور من الوعود؟